لا يبدو أن حديث وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، عن استمرار الحرب في غزة لمدة عام إضافي جاء مصادفة أو مجرد رأي شخصي. فالرجل يُعد الأقرب لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ويحظى بثقته الكاملة في الملفات الأكثر حساسية، خصوصًا تلك المتعلقة بالولايات المتحدة. وهو ما يجعل من كل تصريح يصدر عنه انعكاسًا مباشرًا لتوجهات نتنياهو ومخططاته.
وخلال مؤتمر نظمته وكالة الأنباء اليهودية JNS، قال ديرمر إن الحرب على "الجبهات السبع" ستنتهي خلال 12 شهرًا بانتصار إسرائيلي شامل، يتبعه توقيع اتفاقيات سلام جديدة مع دول عربية. هذا التصريح أثار تساؤلات كبيرة حول دوافعه، خاصة وأنه جاء في وقت تشهد فيه حكومة نتنياهو تراجعًا ملحوظًا في شعبيتها، وفق استطلاعات رأي تشير إلى تراجع ائتلافه من 64 إلى 48 مقعدًا فقط.
المراقبون يرون أن ديرمر لا يتحدث من فراغ، بل يُعبّر عن خطة سياسية يسعى نتنياهو لتنفيذها لضمان البقاء في السلطة حتى انتخابات 2026، مستغلًا ما تبقى من الحرب في غزة كأداة سياسية لتسويق "نصر" محتمل يعزز موقفه الداخلي، خاصة في ظل خطر المحاكمة الذي يلوح في الأفق حال خسارته للأغلبية.
ورغم أن ديرمر هو المسؤول عن ملف التفاوض بشأن الأسرى، إلا أنه لم يتطرق إلى هذا الملف في تصريحاته الأخيرة، ما يعكس حجم التناقض بين الخطاب الرسمي وأولويات الحكومة الحقيقية. فبينما يُطرح استمرار الحرب كضرورة أمنية، يتم تجاهل ملف إنساني وسياسي بحجم الأسرى، في ظل تعقيد متزايد على الأرض.
التحليلات الإسرائيلية ربطت بين هذه التصريحات وبين توجه نتنياهو لتأجيل أي تسوية سياسية أو إنهاء للحرب، إلى حين بلورة حزمة سياسية تجمع بين إعلان نصر عسكري واتفاقيات تطبيع محتملة، تمهيدًا لحل الكنيست والدعوة إلى انتخابات مبكرة.
لكن هذا المسار لا يخلو من المخاطر، إذ يتزامن مع دعوات لتجنيد عشرات الآلاف من جنود الاحتياط، مما يزيد من تعقيد الميدان، في وقت تتصاعد فيه التحديات على مختلف الجبهات، ويزداد التململ داخل المجتمع الإسرائيلي.
في المحصلة، يبدو أن تصريحات ديرمر تُسلّط الضوء على خطة نتنياهو للبقاء السياسي، أكثر من كونها رؤية استراتيجية لإنهاء الحرب. فهي تكشف عن استخدام مفرط للأمن والتطبيع كأدوات انتخابية، بينما تتراجع فرص الحل الحقيقي وتُدفع الملفات الإنسانية إلى الخلفية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق