بكر أبوبكر
الوضع الكئيب في منطقتنا العربية والاسلامية خاصة في غرب آسيا (يسمونها الشرق الأوسط) تمثل ركنًا من أركان الدبلوماسية الأمريكية التي أجازت للإسرائيلي التحكم بالمنطقة من منطق التحالف الى حد التماهي والابتلاع من الأول للثاني أو الآخر في علاقة تعاضد (يعتبرونها وجودية ومصيرية) لا فكاك منها كما قال قادة الولايات المتحدة الأمريكية منذ أن وافقوا على قيام الكيان بإقرار ورقة بلفور عام 1917 مما يعني ولأسباب دينية تخص المسيحية الصهيونية فإن استمرار عدوان الكيان الإسرائيلي ضد جيرانه وهيمنته هو عقيدة أمريكية صِرفة لا علاقة لها بتغيرات السياسية والواقعية السياسية كما لا علاقة لها بالحب أو الكره. وكذلك الأمر لا علاقة لها بتناحرات الحزبين في أمريكا. ومن هنا وجب فهم مدى قوة بقاء الكيان في هذه المنطقة وهي الحقيقة التي أقرتها كل المنطقة بحكم الأمر الواقع وعدم فهم مكامن قوتها الحقيقية. ولكن المثير للشجن والأسى أن إقرار الوجود للكيان قد اقترن بعوامل ثلاثة:
الأول: هو الاقرار بالخضوع لهيمنة هذا الكيان على كافة الصعد السياسية والعسكرية والاقتصادية و(الأخطر الثقافية!؟) باعتباره الذراع الضارب لذاك المتفاعل من وراء البحار
وثانيًا: افترضت دول الأمة مجتمعة أن لا حول لها ولا قوة! فاستسلمت لشيخوخة فكر زعمائها وآثرت السلامة والأمن، فلم تقم بأي عمل من شأنه تقوية ذاتها المتكاملة، أو هذه الدول سوى التشبث بمظاهر العمران والترفيه والتناطح نحو السحاب! دونًا عن الاستثمار في القضيتين الأساس وهما الناس وعقولهم وقوتهم، وثانيا في الصناعة الثقيلة والعلم والتقانة (التكنولوجيا).
أما ثالثًا فلقد أسقط زعماء هذه الأمة القضية الفلسطينية كعامل ربط أخوي وقيمي وديني وقومي ومبدئي وجغرافي وتاريخي حضاري، ومستقبلي من جدول أعمالهم! وتعاملوا معها بنفس القدر مع قضايا النزاع الأخرى مؤثرين السلامة والرفاه والوثارة! أي على العقدة التي بغيرها لا أمن ولا استقرار ولا سلام مهما توهم الكثيرون وعلى رأسهم الثنائي (ترَمب-نتنياهو) أنه تجاوزوها، فالحرب تبدأ من فلسطين والسلام يبدأ من فلسطين كما كان يردد الخالد ياسر عرفات.
بعد انقشاع غبار المعارك الخارجية للاحتلال الصهيوني ضد سوريا ولبنان وإيران (وبالحقيقة ضد كل الدول العربية المقصودة بالقوة الغاشمة الإسرائيلية) "عادت ريما لعادتها القديمة" والى موضع العدوان المزلزل والكارثة الحقيقية أي إلى فلسطين حيث الصمود الذي لا مثيل له للبطل الفلسطيني في أرضه سواء بغزة المنكوبة بما لم يحصل بالنكبة الاولى أو بالضفة التي تقاسي بلا انتباه من العالم اللاهي الذي يغمض عينيه سواء في غرب آسيا، أو عبر البحر أو المحيط.
في ظل الضغط الأمريكي الافتراضي الواقع على "نتنياهو" يصعد نجم ذاك الحالم بجائزة نوبل كمدير للعمليات الحربية في قطاع غزة المنكوب والفقير! والذي تقاوم فيه الأمعاء الجافلة، والأيدي العارية الطائرات والمدفعية والمسيّرات وحرامية الطحين في أغرب منظر عبر التاريخ! وهذا الرجل المتغطرس الذي يجلس مع قرينه المتهم بقضايا فساد عديدة لا يرتدع في ظل العقيدة الأمريكية بدعم الكيان، وفي ظل تبادل المنافع الانتهازية، بل ويتواصلان معًا للكذب واستغفال قيادة الأمة وحثّها على الانخراط في اتفاقيات "ترمب-ابراهام"، وكأنها قدر لا يمكن لأي دولة من رفع رأسها إلا تحت وقع رياح السيف الصهيوني المسلط على الرؤوس منتظرًا قطافها! سواء في شرق العالم العربي أوغربه، وما موريتانيا ببعيدة عن ذلك كما دول الخليج المستهدفة.
في خضم الانصهار للأفكار الحضارية الجامعة للأمة، وتلاشي فلسطين من جدول أعمال معظم دولها، أوزعمائها ومنظّريهم من الكُتاب والمثقفين، والاعلاميين...، يفترض هؤلاء أنهم بمنجاة من الاحتلال أو السُخرة والاستتباع المباشر من الإسرائيلي الغاشم! وهو الوهم الذي سيجعل من الصور المحترقة لقادة الأنظمة مع الإرهابيين الإسرائيليين لعنة تاريخية لا مثيل لها. كما يضع مجموعة من المحددات أمام الفلسطيني ليزداد عملقة وقوة بمعنى أنه رغم اختلافاته الداخلية وصعوبتها فما يزال يحمل قلم السلام كما قلم الحرب بجيبه شاء من شاء وأبى من أبى. وقلم السلام مربوط بشكل وثيق بتحرير دولة فلسطين القائمة ولكنها تحت الاحتلال، وما المطلوب الا تحريرها بإزالة الاحتلال عنها، بعد أن اعترف بها العالم. وهو رغم فهم الواقع المزري يعِي أن الهدف المطلوب حاليًا يتمثل بالحراك السريع والثابت والمثابر من قبل القيادة الفلسطينية (الموحدة) مستثمرة الحد الأدنى لدى قادة الأمة التي وافقت على الدولة الفلسطينية. بمعنى أن الحِراك يجب أن يكثّف في كافة الصُعُد وعلى كل المسارات خاصة العربية، وتقوية أرجل المفاوضين العرب ليقولوا كلمة واحدة أن لا تتبيع (تطبيع)، ولا سلام قط، الا بعد تحرير دولة فلسطين، وهذا أهون الشرين وأقل القليل المطلوب، والا ستلاحق لعنة التاريخ كل المتخاذلين. فالحق أبدي ثابت مهما تعددت الوسائل السياسية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق