أسامة خليفة
كاتب فلسطيني
خلال الحرب العدوانية على غزة وخلال نحو 20 شهراً عُقدت أربع قمم عربية بمشاركة الدول الإسلامية في اثنتين منها الأولى بالقمة في الرياض، والأخرى وزارية بعد قمة القاهرة، دون أن تفلح هذه القمم أن توقف الحرب بشكل فوري وعاجل وضروري، بل لم تستطع أن تكسر الحصار، وتدخل كسرة خبز للجياع في غزة، وبقيت بياناتها العتيدة حبراً على ورق، كم قمة عربية وإسلامية يحب أن تعقد حتى تُوقف عمل ألة الموت الاسرائيلية قتلاً يومياً؟. بهذا المستوى الهابط من التدابير والقرارات وردود الأفعال لن تحدث تغييراً على الأرض.. ولن ترد الغطرسة الإسرائيلية، ولو عُقدت مئات المؤتمرات على شاكلة هذا الطرح المهادن.
انعقدت القمة العربية الـ«34» في يوم السبت 17 أيار /مايو 2025 ببغداد في ظل أزمات شملت بلداناً عربية عديدة، كانت عصيبة ومؤلمة، وتراها عصية كأنها الداء المزمن، أو أن العرب عاجزون، بدلاً من حلها، تبدو متفاقمة، وتتوسع، ويزداد الأمر سوءاً، دون رد فعل مناسب وحاسم، حسبما قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني: «لا نريد أن تكون مواقفنا ردود أفعال، وإنما ننتقل إلى الفعل والتأثير.. الكثير من الدول العربية تواجه تحديات مباشرة وغير مباشرة، ورؤيتنا أن نتحرك لمواجهة هذه التحديات برؤية العمل المشترك». في السياق ذاته في التأكيد على العمل المشترك، قال الرئيس العراقي عبد اللطيف جمال رشيد: «احتضان بغداد لمؤتمر القمة يأتي انطلاقاً من دورها المحوري وسعيها الدائم لترسيخ العمل المشترك لمواجهة التحديات التي تواجه المنطقة، وتعزيز التعاون والتنسيق بين الأشقاء، وبما يحفظ مصالح شعوبنا، ويلبي تطلعاتها في التنمية والازدهار والسلام.. قمة بغداد ستناقش القضايا المصيرية المتعلقة بشعوب المنطقة والخروج بقرارات تسهم في تحقيق السلام والاستقرار».
في الدعوة إلى عمل عربي مشترك وجاد، هل في البيان الختامي للقمة ما يؤكد ذلك؟. في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، دعا رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى عمل عربي جاد لإنقاذ غزة، مؤكداً أن الإبادة الجماعية في القطاع بلغت مرحلة بشعة لم يشهدها التاريخ. لكن مخرجات القمة تؤكد أن العرب كلما اجتمعوا أكدوا وأثبتوا ضعفهم وعجزهم، واكتفوا بالتنديد والدعوات والمناشدات، وبالمناشدات لن يوقفوا العدوان الوحشي الإسرائيلي على شعبنا الفلسطيني كما تثبت الوقائع بعد القمم العربية الأربع التي عُقدت، لا أحد يعلّق عليها آمالاً في طرح الحلول للأزمات، وتحقيق السلام، وإنقاذ الأجيال العربية من هذا البؤس المستدام، وتدهور الأوضاع الأمنية والمعيشية. اكتفى البيان الختامي للقمة العربية على حث المجتمع الدولي على الضغط من أجل وقف إراقة الدماء في غزة، وأكد الرفض القاطع لكل أشكال التهجير والنزوح الفلسطيني دون تحديد أشكال فعل قابلة للتنفيذ تمنع حدوث ذلك.
عُقدت القمة الـ«34» تحت شعار «حوار وتضامن وتنمية»، ومن العناوين تقرأ المضامين، وجاء «إعلان بغداد»، ليؤكد أن انعقاد القمة يأتي «رغبة في تحقيق الاستقرار والازدهار للأمة العربية، واستجابة للتحدّيات التي تواجهها في ظل التحولات الإقليمية والدولية الراهنة».
وفي ترتيب جدول الأعمال تُلحظ نقاط الاهتمام، ويأتي الوضع في غزة على رأس جدول أعمال القمة، كانت القضية الفلسطينية على الدوام قضية ساخنة مطروحة كبند رئيسي في كل القمم العربية، لكنها كانت تحتاج إلى اتخاذ قرارات عربية حاسمة وحازمة، في ظل استمرار حرب الإبادة في غزة، ما يتطلب موقفاً قوياً من القادة العرب، لا يتوقف عند المطالبة والمناشدة والدعوة والاستجداء، بل وقف كل أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني ومقاطعته على مختلف المستويات السياسية والثقافية والاقتصادية والفنية والرياضية، واعتبار أن ذلك هو الحد الأدنى مما هو مطلوب على المستوى الرسمي العربي لمحاسبة اسرائيل على جرائمها، والسعي لعزلها على المستوى الدولي، وتكثيف الضغوط على الدول المصدرة للسلاح إلى إسرائيل لوقفها، واعتبار تدفق السلاح إليها مشاركة في الجرائم، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية، وتصعيد الموقف العربي طالما استمرت إسرائيل في حصار غزة، واستمر منع أو عرقلة دخول المساعدات الإنسانية، فلا بد من كسر الحصار، فلا جدوى من المطالب العربية غير المدعومة بإجراءات ومحاذير وإبراز مواطن القوة، تبدو العبارات الشديدة اللهجة في بيانات الإدانة مجردة من معناها، ولابد من تحديد الوسائل اللازمة لكي يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته الأخلاقية والقانونية ولا يبقى صامتاً، بل يعمل بجد على وقف فوري للعدوان الإسرائيلي على غزة، ويضغط لوقف إراقة الدماء، وفتح جميع المعابر وإدخال المساعدات إلى غزة، وتمكين وكالات الأمم المتحدة، ولا سيما «الأونروا»، من العمل في الأراضي الفلسطينية. بهذا يتم تحويل الخطة العربية - الإسلامية المشتركة بشأن إعادة الإعمار والتعافي المبكر في غزة -التي اعتمدتها القمة العربية الطارئة بالقاهرة، في آذار/ مارس 2025، ووزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في الشهر نفسه بجدة- إلى خطة دولية تساهم فيها وتدعمها جميع الدول سياسياً مالياً وقانونياً. ولا يكفي أن المبادرات تلقى الترحيب، كـ«المبادرة العربية للدعم الإنساني والتنموي» التي تمّ من خلالها إنشاء «الصندوق العربي لدعم جهود التعافي وإعادة الإعمار من آثار الأزمات»، وأعلن العراق التبرُّع بمبلغ قدره 40 مليون دولار إلى الصندوق؛ تُخصص 20 مليون دولار لدعم الجهود الإنسانيّة، وإعادة الإعمار في قطاع غزة، و20 مليون دولار لدعم جهود إعادة الإعمار في لبنان. ومنها أيضاً مبادرة «العهد العربي لدعم الشعب السوري»، وتدعو المبادرة إلى تنظيم مؤتمر دولي لتحشيد الدعم الدولي لعملية إعادة الإعمار في سوريا، وتعزيز جهود العودة الآمنة والمنظمة والكريمة لأبناء الشعب السوري النازحين والمهجرين، والسؤال المشروع: أين مساهمات الآخرين المالية ؟.
قمة بغداد الحالية هي الرابعة في تاريخ العراق، القمة العربية 1978، القمة العربية 1990، القمة العربية 2012، تسلمت العراق رئاسة القمة العربية، وسط حضور الدول العربية جميعها في هذه القمة، جميع الدول تشارك بالقمة العربية بمستويات مختلفة. يغيب عن هذه القمة عدد من الرؤساء والملوك والأمراء العرب، ينوب عنهم من يمثلهم، ومن الحضور الآخرين: الأمين العام للأمم المتحدة، والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، والاتحاد الأوربي، والاتحاد الأفريقي، والتعاون الإسلامي، ورئيس الوزراء الإسباني.
تأمل الحكومة العراقية من هذا الجمع على أعلى مستوى نتائج عملية لمعالجة الأوضاع الغير إنسانية العاجلة في غزة، والعمل على إعادة إعمارها، وإنهاء النزاع في اليمن والسودان والصومال وليبيا، ودعم الاستقرار في سوريا، ودعم المفاوضات الجارية بين طهران وواشنطن، والدفع بالعلاقات الاقتصادية، ودعم مشاريع الاستثمار المشترك، ومواجهة التحديات الدولية، حيث قدمت الحكومة العراقية مبادرات تشتمل على تأسيس مراكز عربية في مجال مكافحة الإرهاب والمخدرات والجريمة الوطنية، وغرفة للتنسيق الأمني وصندوق للتعاون لإعادة الإعمار.
ومع تأييد العراق جميع ما جاء في الفقرات الخاصة بالقضية الفلسطينية سجّل تحفظه على عبارة «حدود الرابع من حزيران 1967»، وعبارة «القدس الشرقية»، وعبارة «حل الدولتين»، وأي عبارة تدل صراحة أو ضمناً إلى الكيان الإسرائيلي كـ«دولة» أينما يتمّ ذكرها، وذلك في إطار الحفاظ على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته وعاصمتها القدس، لكونها لا تتماشى مع القوانين العراقية النافذة.
برز التحفظ العراقي أمام عبارة «حل الدولتين» كمشروع بديل للمبادرة العربية التي طرحت في قمة بيروت 2002 حيث دعّم إعلان بغداد «جُهود عقد مؤتمر دولي رفيع المستوى لتطبيق حل الدولتين، وتجسيد استقلال فلسطين برئاسة «مشتركة سعودية – فرنسية» خلال حزيران/ يونيو المقبل في مقر الأمم المتحدة».
في مجرى «طوفان الأقصى» انعقدت 4 قمم عربية، وقمة مصغرة تشاورية بالرياض قبل قمة القاهرة الطارئة، برزت خلافات بين الدول العربية، أضعفت الموقف الجامع لإفشال المخططات التي ستنال منهم كأمة.
القمة الـ« 16» غير العادية، طارئة ومشتركة بين دول جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي بتاريخ 11 تشرين الثاني /نوفمبر 2023 في الرياض، لبحث تطورات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. واستمر العدوان دون مبالاة لموقف عربي واسلامي.
والقمة الـ«33» العادية في 16 أيار/مايو 2024 في البحرين، بعد مضي سبعة شهور وتسعة أيام على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تضمن البيان الختامي التأكيد على ضرورة وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة فوراً، وخروج قوات الاحتلال من جميع مناطق القطاع، ورفع الحصار المفروض عليه، وكل ذلك لم يتحقق، وكأن لا قمة عقدت ولا قرارات صدرت، ولا مطالب أعلنت، ولتأتي قمة أخرى لتدين إسرائيل على جرائمها في قطاع غزة والضفة الغربية.
القمة الـ« 17» غير العادية 4 آذار/ مارس 2025 في القاهرة، لبحث تطورات القضية الفلسطينية وصياغة موقف عربي موحد رداً على خطة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب بشأن تهجير سكان قطاع غزة.
بعد القمة عقد وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي اجتماعاً عاجلاً استثنائياً لمجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في المنظمة في جدة الجمعة 7/3 لبحث العدوان على غزة، ومخرجات القمة العربية، والترويج لها دولياً، والمساهمة في كسب مزيد من تأييد العالم للخطة المصرية والمساهمة بإعادة إعمار غزة، والمطلوب من دول منظمة التعاون الإسلامي -في أقل تقدير- استخدام سلاح المقاطعة، والتراجع عن سياسات التطبيع في مواجهة الغطرسة الاسرائيلية التي لا تهدد فلسطين والحقوق الفلسطينية فقط، بل وتطال جميع شعوب المنطقة، ويجب تفعيل حركة المقاطعة لتعطي نتائج تغير وقائع سياسية على الأرض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق